السنوار رئيسًا لحماس- براغماتية المقاومة ومستقبل غزة السياسي

عقب استشهاد إسماعيل هنية، اختارت حركة حماس يحيى السنوار رئيسًا للمكتب السياسي في غزة، ليخلفه في قيادة الحركة بأكملها. بذلك، تجاوزت حماس مرحلة دقيقة في أعقاب هذا المصاب الجلل الذي وقع في طهران.
جاء اختيار السنوار في ظرف بالغ الحساسية، إذ كانت الحركة بأمس الحاجة إلى التئام جراحها وتعزيز الثقة بين صفوفها وأنصارها. وتزامن هذا مع انتشار أخبار في وسائل الإعلام حول خلافات ونزاعات على المنصب، وتسريبات متعمدة لأسماء قيل إنه تم التوافق عليها، الأمر الذي نفته حماس بشدة.
أثار هذا القرار ردود فعل متنوعة في أوساط الرأي العام، حيث رحب به الكثيرون وأيدوه، معتبرين أن السنوار هو الشخصية الأنسب لمواجهة الهجمات الإسرائيلية المتواصلة، وفي ظل غياب أي أفق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة حتى اللحظة.
بيد أن البعض الآخر عبّر عن عدم تأييده لهذا الاختيار، معتبرًا أن السنوار، المعروف بـ "صرامته" و "عدم مرونته السياسية"، قد يدفع الحركة نحو "التصلب" السياسي، وهو ما قد يضر بها وبمسيرتها وموقعها في المنطقة والعالم.
ويرى هؤلاء أن السنوار هو المسؤول الأول عن عملية "طوفان الأقصى"، مما يمثل تحديًا للولايات المتحدة وحلفائها، قبل أن يكون تحديًا لإسرائيل نفسها.
إن تقييم المسار السياسي للسنوار يعتمد بشكل كبير على الصورة النمطية التي ساهمت في ترويجها سرديات عربية وغربية.
هذه السردية المستمرة في تشويه صورة المقاومة ليست جديدة، فقد درجت عليها الآلة الإعلامية للدول الاستعمارية لضمان استمرار الاحتلال بأشكاله المختلفة، سواء العسكرية أو السياسية أو حتى الاقتصادية والثقافية.
فالعمل المقاوم في جوهره ليس تطرفًا أو تهورًا، بل هو فعل منضبط، طالما أنه يستند إلى حسابات دقيقة ويتماشى تمامًا مع ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي.
علاوة على ذلك، وبالنظر إلى سلوك السنوار السياسي وتحليله، نرى أنه ليس بالشخصية المتشددة التي يتم تصويرها، بل يتمتع بنزعة واقعية جلية.
براغماتية السنوار
إن المتأمل في المسيرة السياسية ليحيى السنوار منذ إطلاق سراحه في صفقة "وفاء الأحرار" عام 2011، يلاحظ أنه على الرغم من صلته الوثيقة بالجناح العسكري لحركة حماس، "كتائب القسام"، إلا أنه يمتلك رؤية سياسية واقعية.
هذه الرؤية كانت تسعى دومًا لتحقيق مصالح الحركة، بناءً على حسابات سياسية دقيقة، بعيدًا عن التوجهات الأيديولوجية التي طبعت الفكر السياسي للعديد من الإسلاميين، والتي كانت تكلفهم ثمنًا باهظًا في نهاية المطاف.
وتعتبر العلاقات المصرية الحمساوية مثالًا هامًا على ذلك، حيث كان للسنوار دور محوري في تحقيق تحول كبير في علاقة الحركة بمصر، بعد سنوات من التوتر.
إذ أثر وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة في عام 2012، ثم الإطاحة بها لاحقًا، على علاقة القاهرة بحماس، التي واجهت حملة إعلامية قاسية.
لكن التحسن الملحوظ بدأ في عام 2017 مع تولي السنوار رئاسة المكتب السياسي للحركة في غزة، وهو العام الذي شهد تعاونًا أمنيًا مكثفًا بين الطرفين لمواجهة تهديدات تنظيم الدولة في سيناء.
كما شارك السنوار ضمن وفد برئاسة هنية زار القاهرة في سبتمبر/أيلول 2017، ثم توجه إلى الدوحة وأنقرة.
وفي مايو/أيار 2021، زار رئيس المخابرات المصرية، عباس كامل، قطاع غزة وعقد اجتماعًا مغلقًا مع السنوار، تلاه اجتماع موسع لبحث تثبيت وقف إطلاق النار وإعادة الإعمار وإطلاق سراح الأسرى.
وعلى الرغم من أن سياسة النأي بالنفس عن صراعات المنطقة تعتبر إستراتيجية ثابتة للحركة، إلا أن السنوار نجح في تفعيلها في الملف المصري، وفقًا لسياسة المصالح المتبادلة مع القاهرة.
وقد أكد ذلك القيادي الفتحاوي المعروف، محمد دحلان، في تصريح له قبل نحو 6 سنوات على إحدى الفضائيات المصرية، مشيرًا إلى أن السنوار اتخذ قرارًا شجاعًا وتاريخيًا بشأن العلاقات مع مصر.
أما فيما يتعلق بالعلاقات مع إيران، فقد شهد عام 2017 تجاوزًا لحالة التوتر التي سادت بين الطرفين على خلفية الثورة السورية، حيث حرصت حماس على إيفاد وفد رفيع المستوى إلى طهران للمشاركة في حفل تنصيب الرئيس الإيراني الراحل، حسن روحاني.
وقد لعب السنوار دورًا بارزًا في تعزيز العلاقات مع إيران، حيث أكد في مايو/أيار 2018 على الأهمية الكبيرة التي توليها طهران لدعم الحركة، مشيدًا بالعلاقات مع الحرس الثوري وقائد فيلق القدس السابق، قاسم سليماني على وجه الخصوص.
ورغم أن هذه التصريحات أثارت جدلًا واسعًا في ذلك الوقت، إلا أنه لم يتراجع عن موقفه الداعم لإيران، لأسباب لم تتضح بشكل كامل إلا بعد انطلاق عملية "طوفان الأقصى".
من هذا المنطلق، فإن وجود السنوار على رأس المكتب السياسي من شأنه أن يعزز هذه الإستراتيجية الرامية إلى توطيد علاقات الحركة بالدول المؤثرة في المنطقة، وإدارة أي خلافات معها بما يضمن استمرار الدعم للمقاومة.
السنوار وحركة فتح
في إطار العقلية الواقعية التي يتمتع بها، تبنى السنوار موقفًا إيجابيًا تجاه حركة فتح وقادتها التاريخيين.
فقد بذل جهودًا ملحوظة للمصالحة بين حماس وفتح، ورغم أنها لم تُكلل بالنجاح، إلا أن ذلك لم يثنه عن الإشادة المتكررة بياسر عرفات.
ففي إحدى المناسبات عام 2021، خاطب عرفات قائلًا: "أقول للرئيس الخالد أبو عمار نمْ قرير العين بعد أن أصبح لدى مقاومة شعبك مئات الصواريخ يدكّون بها تل أبيب وغوش دان".
كما حافظ على علاقات جيدة مع محمد دحلان، الذي التقاه في القاهرة عام 2017، ورغم الخلافات المعروفة بين دحلان وحماس، إلا أن السنوار ودحلان حافظا على علاقات ودية، تعود جذورها إلى النشأة المشتركة في مخيم خان يونس بقطاع غزة.
لذا، من المتوقع أن يدعم السنوار هذا النهج التوافقي مع فتح والفصائل الأخرى، والذي سيكون بالغ الأهمية في اليوم التالي لوقف العدوان الإسرائيلي.
مصير المفاوضات
يعتقد البعض أن تولي السنوار، المعروف بـ "تشدده"، رئاسة المكتب السياسي لحماس، يعني نسفًا لعملية التفاوض التي كان يقودها إسماعيل هنية رحمه الله.
لكن هذه الرؤية تتجاهل الحقائق على أرض الواقع، إذ كان السنوار في صلب عمليات التفاوض التي قادها هنية، بل يمكن القول بأنه كان – ومعه قادة القسام – الرقم الصعب في تلك المفاوضات.
فكل ما تم إنجازه من اتفاقيات كان بمشورته وموافقته النهائية. ولكن يجب التذكير بأن من لعب – ولا يزال – دورًا أساسيًا في إفشال المفاوضات هو رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وليس السنوار!
وعليه، لا يُتوقع أن يُحدث اختيار السنوار تحولات حادة وسلبية في مستقبل المفاوضات، والتي ذهب البعض إلى حد القول بإيقافها وإلغائها، وهذا غير صحيح ويتعارض مع الواقع، ما لم تعلن الحركة خلاف ذلك.
وختامًا، بالإضافة إلى الواقعية، يمتلك السنوار قدرة فائقة على إيجاد الحلول والبدائل (مسيرات العودة – طوفان الأقصى)، وفهمًا عميقًا للعقلية الإستراتيجية الإسرائيلية ونقاط ضعفها، وهي أمور ستترك أثرًا إيجابيًا على الأداء السياسي لحماس.